كيف تنشئين طفلًا قارئًا في عصر الشاشات؟ | خطوات عملية تناسب الأهل المشغولين
Share
مقدمة: لماذا أصبح إنجاب طفل قارئ تحديًا حقيقيًا؟
لم يعد السؤال اليوم:
هل طفلي يحب القراءة؟
بل أصبح:
هل لدى طفلي فرصة أصلًا ليحب القراءة؟
في عصر الشاشات، يعيش الطفل وسط إغراء بصري دائم:
هاتف، جهاز لوحي، تلفاز، ألعاب رقمية…
محتوى سريع، ملون، ومصمم ليخطف الانتباه دون جهد. والتي أثبتت أضرارها على النمو اللغوي والاجتماعي للطفل، كما تسبب تراجع في مستوى التركيز والتحصيل الدراسي. وكل هذه الآثار قد تم تقييمها على المدى القريب والمتوسط، لكن المدى طويل المدى لم تتم دراسته بشكل كامل بعد. اطلع على مقال: كيف تؤثر الشاشات على أطفالنا؟
في المقابل، يشعر كثير من الأهل بالذنب:
- “لا وقت لدي للقراءة معه”
- “يملّ بسرعة”
- “يفضل الشاشة مهما حاولت”
وهنا تقع فجوة كبيرة في المحتوى العربي:
معظم النصائح إمّا مثالية غير واقعية، أو تلقي اللوم على الأهل دون تقديم حلول تناسب نمط الحياة الحديث.
هذا المقال كُتب خصيصًا لكِ إن كنتِ:
- أمًا أو أبًا مشغولًا
- تريدين تنشئة طفل قارئ دون صراع
- تبحثين عن خطوات عملية قابلة للتطبيق اليوم، لا غدًا

أولًا: ما معنى “طفل قارئ” حقًا؟ (تصحيح مفهوم خاطئ)
الكثير يظن أن الطفل القارئ هو:
- طفل يقرأ مبكرًا
- أو ينهي كتبًا طويلة
- أو يفضل الكتاب دائمًا على اللعب
وهذا تصور غير دقيق.
الطفل القارئ هو طفل:
- يرى الكتاب جزءًا طبيعيًا من حياته
- لا يشعر بالخوف أو الضغط من القراءة
- يربط القصص بالمتعة والأمان
- يعود للكتاب تلقائيًا عندما يهدأ
القراءة ليست مهارة فقط، بل علاقة عاطفية تُبنى مع الوقت. اطلع أيضًا على مقال: كيف تجعل طفلك يحب القراءة منذ سن مبكر؟
ثانيًا: لماذا تفشل معظم محاولات تشجيع القراءة؟
1- المنافسة غير العادلة مع الشاشات
الشاشة:
- سريعة: متوفرة بضغطة زر، وخاصة إن كان جهاز لوحي يستطيع حمله في أي مكان. التلفاز الثابت يضع بعض الكوابح الجسدية التي يصعب تجاوزها.
- لا تتطلب جهدًا: لا يوجد جهد تقريبًا من قِبل الطفل، كل ما عليه سوى أن يشاهد والمحتوى يعرض نفسه. سوف يكون أسهل بكثير خاصة إن كان الطفل لا يزال يواجه صعوبة في التهجئة وقراءة الكلمات.
- تمنح مكافأة فورية: الطريقة التي بُرمجت بها هذه البرامج تجعل المتلقي يشعر بسعادة مؤقتة، لا يلبث بعيدًا قليلًا إلا لكي يعود ويكرر الشعور الذي أسعده. وهو أمر لا تجده مع النشاطات الهادئة التي تمنح مكافأة طويلة المدى.
بينما الكتاب:
- يحتاج تركيزًا: سواء كان يُقرأ من قِبل الوالدين، أو قرأه الطفل بنفسه، يتطلب الكتاب تركيزًا على عكس الشاشات.
- يعتمد على الخيال: وحده دماغه من يكون الصور، ويرسم المواقف حية أمامه.
- مكافأته مؤجلة: على المدى البعيد يحصل الطفل على فوائد القراءة، مثل النمو اللغوي، والاجتماعي، والسلوكي، وغيرها من الصفات التي تعتمد على الطفل ونوعية الكتب التي يقرأها. اطلع على مقال: القراءة بصوت عالٍ للأطفال: سر بناء الذكاء اللغوي والعاطفي منذ السنوات الأولى. ومقال: كيف تجعل طفلك يحب القراءة منذ سن مبكر؟
مقارنة الطفل بينهما ظالمة إذا لم نُعدّ البيئة جيدًا.
2- ربط القراءة بالواجب
عندما تُستخدم القراءة كعقاب أو فرض:
“اقرأ لأن هذا مهم”
“اقرأ بدلًا من اللعب”
يتعلم الطفل أن القراءة واجب ثقيل لا متعة.
3- توقع نتائج سريعة
القراءة عادة، والعادات لا تُزرع في أسبوع. وهي تعتبر ضمن أكثر العادات فائدة على المدى البعيد للطفل، فهي تعزز المفردات واللغة، تقوي الروابط العاطفية بين الأم والطفل، تخفف القلق، وتشجع الطفل على الخيال والإبداع.
تناقشنا مسبقًا كيف أن فوائد القراءة ليست فورية، بل هي متراكمة يظهر أثرها على الطفل ولو بعد حين. إن الاستعجال يقتل المتعة، ويجعلنا نفقد المعنى الأساسي من القراءة، وبالتالي نضيع فوائدها الجمة.
اطلع على مقال: خطوات عملية لإنشاء روتين ما قبل النوم يتضمّن القراءة والهدوء – دليل للوالدين العاملين
ثالثًا: القاعدة الذهبية للأهل المشغولين
لا نحتاج وقتًا أطول… نحتاج وقتًا أذكى
أكبر خطأ شائع هي افتراض أن:
“القراءة تحتاج وقتًا طويلًا يوميًا”
الحقيقة:
١٠-١٥ دقيقة ذكية يوميًا كافية جدًا لصناعة طفل قارئ. والتي يمكن أن تكون جزء من روتين ما قبل النوم، أو أي وقت آخر يناسب الأم والطفل، ولكننا نحفز على القراءة ما قبل النوم لما فيها من فوائد لتهدئة الطفل وتحضيره لليلة نوم هانئة.
لا تعلم بأي كتاب تبدأ؟ اطلع على سلسلة قصص ما قبل النوم من القارئ الصغير.
رابعًا: خطوات عملية لتنمية حب القراءة (تناسب الأهل المشغولين)
الخطوة 1: اجعلي القراءة جزءًا من روتين ثابت
الطفل يحب التوقع.
أفضل أوقات القراءة:
- قبل النوم
- بعد الاستحمام
- بعد العودة من المدرسة
حتى قصة قصيرة واحدة يوميًا تصنع فرقًا.
القراءة قبل النوم من أقوى العادات لبناء طفل قارئ؛ لأنها ترتبط بالهدوء والأمان لا بالتكليف.
للمزيد عن بناء الروتين اطلعِ على مقال: خطوات عملية لإنشاء روتين ما قبل النوم يتضمّن القراءة والهدوء – دليل للوالدين العاملين
الخطوة 2: اختاري القصص الأقصر لا “الأفضل”
خطأ شائع:
اختيار قصص طويلة أو تعليمية أكثر من اللازم.
الصحيح:
- قصة قصيرة
- لغة بسيطة
- صور واضحة
- نهاية دافئة
الطفل لا يبحث عن “معلومة”، بل عن شعور.
نقترح عليكِ سلسلة أبطال صغار من القارئ الصغير، والتي تجري أحداثها في حضانة للأطفال وتتعامل مع مواقفهم اليومية بشكل عفوي وظريف.
الخطوة 3: ابدئي بالقراءة المسموعة لا القراءة الذاتية
قبل أن يقرأ الطفل بنفسه، يحتاج أن:
- يسمع القصص: تُقرأ له من قبل البالغين لكي يسهل عليه تقبلها.
- يربط الصوت بالمتعة: من خلال التفاعل بالأسئلة والإجابات التي تثير فضوله، أو تقليد الأصوات بشكل مضحك. للوالدين أساليبهم الخاصة في تحبيب الطفل بالكتاب.
- يرى الكتاب مرتبطًا بصوتك واهتمامك: قد ينبع حبه للقراءة من فكرة محبته للقرب منك. يشعر بالحماس لوقت القصة لأنه أكثر وقت خاص تقضونه معًا.
حتى الأطفال الأكبر سنًا يستفيدون من القراءة الجهرية. يمكنك معرفة المزيد من خلال المقال: القراءة بصوت عالٍ للأطفال: سر بناء الذكاء اللغوي والعاطفي منذ السنوات الأولى.
الخطوة 4: لا تسألي أسئلة مدرسية
تجنّبي:
- ماذا تعلمت؟
- ما الفكرة الرئيسية؟
استبدليها بـ:
- أي شخصية أحببت؟
- ماذا أعجبك في القصة؟
- لو كنت مكان البطل، ماذا ستفعل؟
هكذا تتحول القراءة إلى حوار، لا اختبار.
اطلعي على مقال: أنشطة منزلية مستوحاة من كتب الأطفال: تحويل القراءة إلى مغامرة تفاعلية.
الخطوة 5: اتركي الكتاب في متناول الطفل
بيئة القراءة أهم من عدد الكتب.
- كتب على مستوى نظر الطفل
- سلة كتب قرب السرير
- كتاب في غرفة المعيشة
الطفل يقرأ ما يراه، لا ما نطلبه فقط. سوف تلاحظين بعد فترة أن الطفل يتناول الكتاب من مكتبته ويطلب منك قراءته له.
خامسًا: كيف نتعامل مع الشاشات بذكاء (لا بالمنع)
المنع الكامل = صراع دائم
البديل الذكي = توازن تدريجي
استراتيجيات عملية:
-
لا تقولي “أغلقي الشاشة”
بل: “بعد هذه الحلقة نقرأ قصة” - اجعلي القراءة نشاطًا لاحقًا للشاشة لا منافسًا مباشرًا
- لا تستخدمي الشاشة كمكافأة للقراءة
الرسالة الخفية مهمة جدًا.
سادسًا: ماذا عن الطفل الذي “لا يحب القراءة”؟
اسألي نفسك:
- هل يكره القراءة أم يكره الطريقة؟
- هل جربنا قصصًا تناسب اهتمامه فعلًا؟
- هل يشعر بالضغط أثناء القراءة؟
أحيانًا:
الطفل لا يحتاج “كتابًا أفضل”، بل تجربة ألطف.
ابدئي من:
- قصص مصورة جدًا
- كتب تفاعلية
- قصص عن اهتماماته (حيوانات، مغامرات، مشاعر)
سابعًا: دور الأهل كنموذج (حتى لو لم نكن قرّاء)
لا يحتاج الطفل أن يراك تقرئين روايات طويلة.
يكفي أن يراك:
- تمسكين كتابًا
- تتصفحين مجلة
- تقرئين وصف منتج
الطفل يقلد ما يراه طبيعيًا في البيت.
ثامنًا: أخطاء شائعة يجب تجنبها
- مقارنة الطفل بغيره
- إجباره على القراءة بصوت عالٍ أمام الآخرين
- السخرية من بطئه
- التركيز على عدد الصفحات
القراءة رحلة شخصية، لا سباق.
تاسعًا: ماذا تقدّم القراءة لطفلك على المدى البعيد؟
القراءة لا تصنع فقط طفلًا ذكيًا، بل:
- طفلًا أكثر هدوءًا
- أقدر على التعبير عن مشاعره
- أوسع خيالًا
- أفضل تركيزًا
- أكثر استعدادًا للتعلم المدرسي
وكل هذا يبدأ بخطوة صغيرة يومية. للمزيد عن فوائد القراءة للطفل اطلع على مقال: القراءة بصوت عالٍ للأطفال: سرّ بناء الذكاء اللغوي والعاطفي منذ السنوات الأولى
الخلاصة: طفل قارئ لا يُصنع بالكمال… بل بالاستمرارية
لا تحتاجين:
- وقتًا طويلًا
- أدوات باهظة
- خطة معقدة
تحتاجين فقط:
- نية
- عادة بسيطة
- بيئة داعمة
في عصر الشاشات، لا ننافس الشاشة بالقوة، بل نزرع بديلًا أعمق وأدفأ.
في القارئ الصغير نؤمن أن الطفل القارئ لا يُصنع بالضغط، بل بالحب، والقصص، واللحظات الصغيرة المتكررة